هل كلام الله مخلوق؟

سؤال لا بد من طرحه، فهل كلام الله مخلوق؟ لقد دار الكثير من الحوار حول هذا الموضوع المهم، فقد كان هناك فريقان: فريق يقول بأن كلام الله مخلوق، وفريق يقول بأن كلام الله أزلي أبدي غير مخلوق. لنرى ماذا يقول القرآن والحديث عن ذلك.

"الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ" (الرحمن 55: 1-3) . ففرَّق تعالى بين علمه وخلقه، فالقرآن علمه، والإنسان خلقه، وعِلمُه تعالى غير مخلوق.

ويؤكد القرآن بأن كلمات الله تعالى غير متناهية "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا"( الكهف 18: 109). ويقول القرآن أيضا وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (لقمان 31: 27). أن كلماته غير متناهية، فلو أن البحار التي خلق الله كانت مدادا تكتب به، والشجر الذي خلق الله أقلاما تخط به، لنفذ مداد البحور، ولفنيت الأقلام، ولم تفن كلمات الله.

وهناك الكثير من اللأحاديث التي تثبت أن كلام الله غير مخلوق، "فعن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" (رواه مسلم 2708).

"وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه" [أخرجه أحمد:3/390، وأبو داود (4734) والترمذي (2925) وصححه].

ويتضمن هذا الحديث إثبات أن كلام الله غير مخلوق وذلك من وجهين :

الأول: التفريق بين كلام الله وما سواه من الكلام، والكلام إما كلام الله الذي هو صفته، أو الكلام المخلوق الذي هو من خلق الله، فأضاف ما كان صفة لله إلى الله، وعمم ما سواه، ليشمل كل كلام سوى ما أضافه إلى الله، ولو كان الجميع مخلوقا لما كانت هناك حاجة إلى التفريق .

والثاني: جعل الفرق بين كلام الله وكلام غيره، كالفرق بين ذات الله وذات غيره، فجعل شأن كلامه وصفته، من شأن ذاته وصفتها، كما أن كلام المخلوق وصفته، هو مناسب وملائم لذات المخلوق وصفتها .

من المعقول الصريح أن كلام الله إن كان مخلوقا، فلا يخلو من أحد حالين :الأولى: أن يكون مخلوقا قائمًا بذات الله .والثانية: أن يكون منفصلا عن الله بائنا عنه .وكلا الحالين باطل.

أما الأولى فيلزم منها أن يقوم المخلوق بالخالق، وهو باطل، فإن الله تعالى مستغن عن خلقه من جميع الوجوه .وأما الثانية فيلزم تعطيل صفة الكلام للباري تعالى، إذ أن الصفة إنما تقوم بالموصوف لا تقوم بسواه، فإن قامت بغير الموصوف كانت وصفا لمن قامت به، وهذا معناه أن الرب تعالى غير متكلم.

فلما أضاف الله لنفسه كلاما، ووصف نفسه به، كان كلامه غير مخلوق؛ لأنه تابع لنفسه، ونفسه تعالى غير مخلوقة، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.

وهنا لا بد بأن يأخذنا الحديث عن عيسى المسيح (سلامه علينا) كلمة الله "إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلّم النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران 3: 45-46)، "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" (النساء 4: 171). فهل كلمة الله مخلوقة أم أنها أزلية غير مخلوقة؟

ومن المهم أن نرى بأن القرآن يصرح أيضا "فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران 3: 39). ويقول التفسير الميسر في شرح هذه الآية "فنادته الملائكة وهو واقف بين يدي الله في مكان صلاته يدعوه: أن الله يخبرك بخبر يسرُّك، وهو أنك سترزق بولد اسمه يحيى، يُصَدِّق بكلمة من الله -وهو عيسى ابن مريم عليه السلام..". الكلمة الذي هو من الله (كلمة الله)، وصدق به يحيى، هو عيسى المسيح (سلامه علينا)، الذي جاء يحيى إلى العالم ليبشر به، ويهيّئ له الطريق.

فلا بد من القول هنا بأن كلمة الله غير مخلوق كما صرح القرآن "إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ" كلمة الله الغير مخلوقة الأزلية دعي المسيح عيسى (سلامه علينا). فلو كان المسيح (سلامه علينا) مخلوقا لما كان هناك حاجة للتفريق بوصفه "كلمة الله"، فلم يدعى غيره بهذا الإسم أبدا. فكلمة الله مناسب وملائم لصفات الله تعالى، فكلمة الله (المسيح سلامه علينا) غير مخلوق تابع له. فقد خصص الله هذه الكلمة بالتحديد وعمم ما سواها.

More Stories
قصة رشيد
العربية