السبت هو أحد أيام الأسبوع وحكم يوم السبت فى التوراة المنزلة على النبي موسى (ص) أنه يوم راحة من العمل الوظيفى حيث لا يجوز فيه للمؤمن الخروج للسعى خلف الرزق، ففي تفسير الطبري يقول: “وأصل “السبت” الهدوّ والسكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم “مسبوت” لهدوّه وسكون جسده واستراحته، كما قال جل ثناؤه: “وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا” (النبأ: 9) أي راحة لأجسادكم. وهو مصدر من قول القائل: “سبت فلان يسبت سبتا “.وقد قيل: إنه سمي “سبتا”، لأن الله جل ثناؤه فرغ يوم الجمعة – وهو اليوم الذي قبله – من خلق جميع خلقه.” (تفسير الطبري في شرح البقرة 65).
وفى هذا قال القرآن: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” (الأعراف 7: 163)
لا تعدوا فى السبت
ذكر النص القرآني “لا تعدوا فى السبت” حيث يصرح القرآن: “وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” (النساء 4: 154)
ويقول الطبري في تفسيره: “وذلك لما امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى فيها، “بميثاقهم”، يعني: بما أعطوا الله الميثاق والعهد: لنعملن بما في التوراة … “وقلنا لهم لا تعدوا في السبت”، يعني بقوله: “لا تعدوا في السبت”، لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما لم يبح لكم. “وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا”، يعني: عهدًا مؤكدًا شديدًا، بأنهم يعملون بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم الله عنه، مما ذكر في هذه الآية، ومما في التوراة.”
بيّن القرآن أن السبت هو يوم الراحة جعل على الذين اختلفوا فيه أي شرع على الذين تنازعوا فيه والمراد فُرض على الذين تجادلوا فيه وفى هذا قال القرآن: “إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (النحل 16: 124).
وفي تفسير إبن كثير “قال مجاهد: ثم إنهم لم يزالوا متمسكين به، حتى بعث الله عيسى ابن مريم ، فيقال: إنه حولهم إلى يوم الأحد. ويقال إنه: لم [يترك شريعة التوراة إلا ما نسخ من بعض أحكامها وإنه لم] يزل محافظا على السبت حتى رفع، وإن النصارى بعده في زمن قسطنطين هم الذين تحولوا إلى يوم الأحد، مخالفة لليهود، وتحولوا إلى الصلاة شرقا عن الصخرة، والله أعلم.”
وتقول التوراة “اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ” (التوراة الخروج 20: 8-11). وهي أحدى الوصايا التي فيها هدى ورحمة على من يخافون الله، وقد أعطاها الله لنبيه موسى من على جبل الطور “وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ” (الأعراف 7: 154).
وتشدد التوراة على حكم السبت “إِنْ رَدَدْتَ عَنِ السَّبْتِ رِجْلَكَ، عَنْ عَمَلِ مَسَرَّتِكَ يَوْمَ قُدْسِي، وَدَعَوْتَ السَّبْتَ لَذَّةً، وَمُقَدَّسَ الرَّبِّ مُكَرَّمًا، وَأَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ وَعَنْ إِيجَادِ مَسَرَّتِكَ وَالتَّكَلُّمِ بِكَلاَمِكَ، فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِالرَّبِّ، وَأُرَكِّبُكَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ، وَأُطْعِمُكَ مِيرَاثَ يَعْقُوبَ أَبِيكَ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ” (التوراة، إشعياء 58: 13-14).
فحكم السبت هو تحريم للعمل الوظيفى السعي في طلب الرزق. ومن ثم فالله لم يحرم الخروج من البيوت لقضاء الضروريات، فلو حرم ذلك لكان أمرا ضارا جدا بالمرضى وبالأطفال وكبار السن حيث يحتاج هؤلاء للخروج ومعهم من يرافقهم. لا بل أنه يصرح بفعل الخير.
لعنة أصحاب السبت
لعنة أصحاب السبت مذكورة فى القرآن : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا “(النساء 4: 47)
ويقول إبن كثير في تفسيره “وقوله: (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) يعني: الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد، وقد مسخوا قردة وخنازير.” ويقصد تحويل أجساد الصيادين المخالفين لحكم السبت بالعمل فيه إلى أجساد قردة مع بقاء نفوسهم كما هو مذكور في سورة البقرة: “وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” (البقرة 65).
معنى عدم العدوان فى السبت
معنى عدم العدوان فى السبت هو عدم السعى خلف الرزق فى السبت أو التعدي على حكم الله في السبت، بدليل أن الله عاقب من عمل بالصيد فى يوم السبت حسب سورة الأعراف :
“وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” (الأعراف 7: 163-167)
الدرس المتعلم من قصة أصحاب السبت
الدرس الذى يجب تعلمه من قصة أصحاب السبت المعاقبين بالتحول لأجسام القردة هو أن الإنسان عليه أن يمتنع عن الرزق يوم السبت. وأن لا يُصر على العمل بل يتحول لحفظ هذا اليوم المبارك والمقدس، ثم متابعة العمل في يوم أخر يكتسب منه رزقا حلالا مُتبعا عهد الله وميثاقه.
نسخ حكم السبت
لم يرد صراحة فى القرآن هذا القول بتاتا، والبعض يقول بأن السبت نسخ بيوم الجمعة، لا بل أن الله أراد الجميع أن يعبدوه في يوم الجمعة، ولكن اليهود إختاروا السبت والمسيحيين إختاروا الأحد، فالله سمح لهم بذلك، هذا كلام غير منطقي أبدا. كيف يعطي الله أمرا، ثم يأتي البشر ويغيروا حكم الله، ثم يوافق الله على ذلك؟ هذا كلام لا يعقل، فالله أحكامه لا تتغير. ثانيا، إذا الله لم يختار يوم السبت للعبادة، لماذا يلعن اليهود لعدم حفظهم السبت، ولماذا لم يلعن من لم يحفظ الجمعة؟
ومن ثم يطرح السؤال، هل تُماثل الجمعة السبت؟ لا يوجد وجه للشبه فالجمعة فى القرآن كباقى أيام الأسبوع العمل الوظيفى كالبيع مثلا فهو موجود قبل الصلاة وبعد الصلاة وفى هذا يقول القرآن “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (الجمعة 62: 9).